القرآن
صفحة 1 من اصل 1
القرآن
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ذي الفضل والإنعام، والصلاة والسلام على محمد خير الأنام، وآله الأماجد وصحبه الكرام،
وبعد: فإنه نظراً لحاجتنا في فهم و تدبر آي الكتاب .. خاصة و أننا نستقبل شهر رمضان المبارك بعد أيام قلائل .. نرى الكثير يجهز نفسه لاستقبال هذا الشهر بما تهوى نفسه .. منهم من يدعوا الله و يسعى الاقتداء بالنبي و أصحابه .. ليحقق الصيام على وجهه الكامل بمعرفة فقه الصيام .. و منهم من يجمع زاد بيته .. و قد شُغل عن زاد نفسه ..
هنا و قُبيل رمضان بأيام قلائل .. ،
نتوقف مع تفسير لبعض آيات الصيام .. نتعلم منها فوائد و عبر ~
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(183) أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ(184)}
شرح الكلمات:
كتب: فرض وأثبت.
الصيام : لغة الإمساك، والمراد به هنا: الامتناع عن الأكل والشرب وغشيان النساء من طلوع الفجر إلى غروب الشمس[1].
أياماً معدودات : تسعة وعشرون أو ثلاثون يوماً بحسب شهر رمضان.
فعدة من أيام أخر : فعل من أفطر لعذر المرض أو السفر فعليه صيام أيام أخر بعدد الأيام التي أفطر فيها.
يطيقونه : أي: يتحملونه بمشقة لكبر سن أو مرض لا يرجأ برؤه.
فدية طعام مسكين : فالواجب على من أفطر لعذر مما ذكر أن يطعم على كل يوم مسكيناً، ولا قضاء عليه.
فمن تطوع خيراً : أي: زاد على المُدّين[2] أو أطعم أكثر من مسكين فهو خير له.
وأن تصوموا خيراً : الصيام على من يطيقه ولو بمشقة خير من الإفطار مع الطعام.
معنى الآيتين:
لما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم وأصبحت دار إسلام أخذ التشريع ينزل ويتوالى، ففي الآيات السابقة كان حكم القصاص والوصية ومراقبة الله في ذلك، وكان من أعظم ما يكون في المؤمن من ملكة التقوى الصيام، فأنزل الله تعالى فرض الصيام في السنة الثانية للهجرة، فناداهم بعنوان الإيمان: يا أيها الذين آمنوا. وأعلمهم أنه كتب عليهم الصيام كما كتبه على الذين من قبلهم من الأمم السابقة، فقال: { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ...} علل ذلك بقوله: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} أي: ليعدكم به للتقوى التي هي امتثال الأوامر واجتناب النواهي، لما في الصيام من مراقبة الله تعالى، وقوله: {أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ} ذكره ليهون به عليهم كلفة الصوم ومشقته، إذ لم يجعله شهوراً ولا أعواماً. وزاد في التخفيف أن أذن للمريض والمسافر أن يفطر ويقضي بعد الصحة أو العودة من السفر فقال لهم: { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى[3]سَفَرٍ[4] فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} كما أن غير المريض والمسافر إذا كان يطيق الصيام بمشقة وكلفة شديدة له أن يفطر ويطعم على كل يوم مسكيناً، وأعلمهم أن الصيام في هذه الحال خير. ثم نسخ هذا الحكم الأخير بقوله في الآية الآتية: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وقوله: {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} يريد: تعلمون فوائد الصوم الدنيوية والآخروية، وهي كثيرة أجلها مغفرة الذنوب وذهاب الأمراض.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- فرضية الصيام وهو شهر رمضان.
2- الصيام يربي ملكة التقوى في المؤمن.
3- الصيام يكفر الذنوب لحديث: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" .
4- رخصة الإفطار للمريض [5] والمسافر.
5- المرأة الحامل أو المرضع دل قوله: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} أنه يجوز لهما الإفطار مع القضاء، وكذا الشيخ الكبير فإنه يفطر ولا يقضي، والمريض مرضاً لا يرجى برؤه كذلك. إلا أن عليهما أن يطعما عن كل يوم مسكيناً بإعطائه حفنتي طعام كما أن المرأة الحامل والمرضع [6] إذا خافت على حملها أو طفلها أو على نفسها أن عليها أن تطعم مع كل صوم تصومه قضاء مسكيناً.
6- في الصيام فوائد دينية واجتماعية عظيمة أشير إليها بلفظ: {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}.
من هذه الفوائد:
1- يعود الصائم الخشية من الله تعالى في السر والعلن.
2- كسر حدة الشهوة، ولذا أرشد العازب [7] إلى الصوم.
3- يربي الشفقة والرحمة في النفس.
4- فيه المساواة بين الأغنياء والفقراء والأشراف [8] والأوضاع.
5- تعويد الأمة النظام والوحدة والوئام.
6- يذهب المواد المترسبة في البدن، وبذلك تتحسن [9] صحة الصائم.
{شَهْرُ[10] رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ[11] وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(185)}
شرح الكلمات:
{شَهْرُ رَمَضَانَ} : هو الشهر التاسع من شهور السنة القمرية، ولفظ الشهر مأخوذ من الشهرة، ورمضان مأخوذ من رمض الصائم إذا جر جوفه من العطش[12].
{الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} : هذه آية فضله على غيره من سائر الشهور حيث أنزل فيه القرآن، وذلك في ليلة القدر منه لآية: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} ، أنزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في سماء الدنيا ثم نزل نجماً بعد نجم، وابتدئ نزوله على رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان أيضاً.
{هُدىً لِلنَّاسِ} : هادياً للناس إلى ما فيه كمالهم وسعادتهم في الدارين.
{وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} : البينات: جمع بينة، والهدى: الإرشاد، والمراد أن القرآن نزل هادياً للناس ومبيناً لهم سبيل الهدى موضحاً طريق الفوز والنجاة فارقاً لهم بين الحق والباطل في كل شؤون الحياة.
شهد الشهر[13] : حضر الإعلان[14] عن رؤيته.
{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} : فعليه القضاء بعدد الأيام التي أفطرها مريضاً أو مسافراً.
{وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّة} : وجب القضاء من أجل إكمال عدة الشهر ثلاثين أو تسعة وعشرون يوماً.
{وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} : وذلك عند إتمام صيام رمضان من رؤية الهلال إلى العودة من صلاة العيد والتكبير مشروع وفيه أجر كبير، وصفته المشهورة: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
{وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} : فرض عليكم الصوم وندبكم إلى التكبير لتكونوا بذلك من الشاكرين لله تعالى على نعمه؛ لأن الشكر[15] هو الطاعة.
معنى الآية الكريمة:
لما ذكر تعالى أنه كتب على أمة الإسلام الصيام في الآية السابقة وأنه أيام معدودات بين في هذه الآية أن المراد من الأيام المعدودات أيام شهر رمضان المبارك الذي أنزل فيه القرآن هادياً موضحاً طرق الهداية، وفارقاً به بين الحق والباطل، فقال تعالى: {شَهْرُ[16] رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ} يريد شهر رمضان، ومعنى: شهد، كان حاضراً غير مسافر لما أعلن عن رؤية هلال رمضان، فليصمه على سبيل الوجوب إن كان مكلفاً. ثم ذكر عذر المرض والسفر، وأن على من أفطر بهما قضاء ما أفطر بعدده، وأخبر تعالى أنه يريد بالإذن في الإفطار للمريض والمسافر ليس بالأمة، ولا يريد بها العسر فله الحمد وله المنة، فقال تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} .
ثم علل تعالى للقضاء بقوله ولتكملوا العدة، أي: عدة أيام رمضان، هذا أولاً، وثانياً: لتكبروا الله على ما هداكم عندما تكملون الصيام برؤية هلال شوال وأخيراً ليعدكم بالصيام والذكر للشكر، وقال عز وجل: {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} .
هداية الآيات
من هداية الآية:
1- فضل[17] شهر رمضان وفضل القرآن.
2- وجوب صيام رمضان على المكلفين، والمكلف هو: المسلم العاقل مع سلامة المرأة من دمي الحيض والنفاس.
3- الرخصة للمريض الذي يخاف تأخر برئه أو زيادة مرضه، والمسافر مسافة[18] قصر.
4- وجوب القضاء على من أفطر لعذر[19].
5- يسر الشريعة الإسلامية وخلوها من العسر[20] والحرج.
6- مشروعية التكبير ليلة العيد ويومه، وهذا التكبير جزء لشكر نعمة الهداية إلى الإسلام.
7- الطاعات: هي الشكر، فمن لم يطع الله ورسوله لم يكن شاكراً فيعد مع الشاكرين.
__________
[1] أي بنية امتثال أمر الله تعالى به، أو بنية التقرب إليه عز وجل.
[2] هل الواجب مد أو مدان خلاف، فمن الفقهاء من يرى مدين، ومنهم من يرى مداً واحداً، والمد: الحفنة بحفنة الرجل المعتدل بين القصر والطول.
[3] أي في حالة سفر فلذا لا ينبغي لمن عزم على السفر أن يفطر حتى يغادر بلده المقيم به شأن الصيام كشأن الصلاة فلا يقصر حتى يغادر مباني البلد.
[4] أي فالواجب صيام عدة من أيام أخر.
[5] المريض له حالتان. الأولى: أن يكون مرضه شديداً فهذا يجب عليه أن يفطر. والثانية: أن يكون مرضه غير شديد فيستحب له الفطر.
[6] في الكلام إجمال وهذا تفصيله: الحامل والمرضع إذا خافتا على طفليهما فعليهما القضاء والإطعام، وإن خافتا على نفسيهما فعليهما الصيام دون الإطعام.
[7] لحديث: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه فإنه له وجاء" أي خصاء.
[8] الأشراف: جمع شريف، والأوضاع: جمع وضيع، وهو الدنيء.
[9] لحديث: "صوموا تصحوا وسافروا تغنموا ".
[10] قرئ: {شَهْر} بالنصب فيكون بدلاً من قوله: {أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ} ، وقرئ بالرفع فيكون مبتدأ والخبر، {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ }. وقد يكون المبتدأ محذوفاً تقديره هي: أي الأيام المعدودات.
[11] قوله صلى الله عليه وسلم: " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً" ، أوضح طريق للصوم والإفطار وبه العمل والحمد لله.
[12] والرمضاء: شدة الحر، ويشهد لذلك حديث مسلم: " صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال" ، أي اشتد الحر في الأرض فلم يقوى الفصيل على الوقوف على الأرض بأخفافه فيبرك.
[13] اختلف في قبول شهادة الواحد في هلال رمضان، والذي عليه الأكثر وهو الأحوط للدين أن الواحد إذا كان عدلاً تقبل شهادته، هذا في الصام، أما في الإفطار وهو رؤية هلال شوال فلا بد من شاهدين اثنين.
[14] إذا أسلم الكافر ليلاً وبلغ الصبي وجب عليهما الصيام من الغد، أما إذا أسلم الكافر وبلغ الغلام في نهار رمضان فإنه يستحب لهما الإمساك ولا يجب.
[15] يشهد له قوله تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً} ، والشكر يكون بالقلب واللسان والجوارح وهو العمل، قال الشاعر:
أفادتكم النعماء مني ثلاثة ... يدي ولساني والضمير المحجبا
[16] يجمع رمضان على رمضانات، وأرمضاء ويجوز أن يقال شهر رمضان. ورمضان بدون شهر لحديث: "إذا كان رمضان فاعتمري فإن عمرة فيه تعدل حجة" .
[17] يكفي في بيان فضل رمضان قول النبي صلى الله عليه وسلم : "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين". رواه مسلم، قوله صلى الله عليه وسلم: " من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " في الصحيح.
[18] أوسط ما قيل في مسافة القصر إنها أربعة بُرُد، وهي ثمانية وأربعون ميلاً، والميل: ألفا ذراع عند أهل الأندلس وهو يعادل الكيلو المتر المعروف الآن.
[19] لقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} أي فعليه قضاء أيام أخر بعدد ما أفطر.
[20] لقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} ، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "دين الله يسر" ، وقوله لأصحابه: "يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا" . في الصحيح.
المصدر /
الكتاب : أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير
المؤلف : جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري
..
بعد أن تأملنا و تدبرنا هذه الأيات التي نسمعها كثيرا ً
أجزم بأننا كلما أعدنا قراءة تفسيرها نتعلم شيئا ً جديدا ً
في رمضان .. ليس المهم كم ختمة تختم للقرآن
بل ..!
كم آية من القرآن تدبرتها .. ،
من الآن .. كلما هممت ِ بفتح المصحف .. افتحي أوراق قلبك ِ قبلها
و قبل أن أختم كلماتي .. أهديكم هذه الروابط المفيدة
الأولى / دورة فن تدبر القرآن
للشيخ الدكتور عصام العويد
الجزء الأول
الجزء الثاني
الجزء الثالث
الثانية / دورة تدبر القرآن الكريم
لأستاذ التفسير في جامعة الكويت
عبدالمحسن زبن المطيري
الجزء الأول
الجزء الثاني
،
نفعنا ربي و إياكن بما نقرأ و نسمع
الحمد لله ذي الفضل والإنعام، والصلاة والسلام على محمد خير الأنام، وآله الأماجد وصحبه الكرام،
وبعد: فإنه نظراً لحاجتنا في فهم و تدبر آي الكتاب .. خاصة و أننا نستقبل شهر رمضان المبارك بعد أيام قلائل .. نرى الكثير يجهز نفسه لاستقبال هذا الشهر بما تهوى نفسه .. منهم من يدعوا الله و يسعى الاقتداء بالنبي و أصحابه .. ليحقق الصيام على وجهه الكامل بمعرفة فقه الصيام .. و منهم من يجمع زاد بيته .. و قد شُغل عن زاد نفسه ..
هنا و قُبيل رمضان بأيام قلائل .. ،
نتوقف مع تفسير لبعض آيات الصيام .. نتعلم منها فوائد و عبر ~
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(183) أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ(184)}
شرح الكلمات:
كتب: فرض وأثبت.
الصيام : لغة الإمساك، والمراد به هنا: الامتناع عن الأكل والشرب وغشيان النساء من طلوع الفجر إلى غروب الشمس[1].
أياماً معدودات : تسعة وعشرون أو ثلاثون يوماً بحسب شهر رمضان.
فعدة من أيام أخر : فعل من أفطر لعذر المرض أو السفر فعليه صيام أيام أخر بعدد الأيام التي أفطر فيها.
يطيقونه : أي: يتحملونه بمشقة لكبر سن أو مرض لا يرجأ برؤه.
فدية طعام مسكين : فالواجب على من أفطر لعذر مما ذكر أن يطعم على كل يوم مسكيناً، ولا قضاء عليه.
فمن تطوع خيراً : أي: زاد على المُدّين[2] أو أطعم أكثر من مسكين فهو خير له.
وأن تصوموا خيراً : الصيام على من يطيقه ولو بمشقة خير من الإفطار مع الطعام.
معنى الآيتين:
لما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم وأصبحت دار إسلام أخذ التشريع ينزل ويتوالى، ففي الآيات السابقة كان حكم القصاص والوصية ومراقبة الله في ذلك، وكان من أعظم ما يكون في المؤمن من ملكة التقوى الصيام، فأنزل الله تعالى فرض الصيام في السنة الثانية للهجرة، فناداهم بعنوان الإيمان: يا أيها الذين آمنوا. وأعلمهم أنه كتب عليهم الصيام كما كتبه على الذين من قبلهم من الأمم السابقة، فقال: { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ...} علل ذلك بقوله: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} أي: ليعدكم به للتقوى التي هي امتثال الأوامر واجتناب النواهي، لما في الصيام من مراقبة الله تعالى، وقوله: {أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ} ذكره ليهون به عليهم كلفة الصوم ومشقته، إذ لم يجعله شهوراً ولا أعواماً. وزاد في التخفيف أن أذن للمريض والمسافر أن يفطر ويقضي بعد الصحة أو العودة من السفر فقال لهم: { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى[3]سَفَرٍ[4] فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} كما أن غير المريض والمسافر إذا كان يطيق الصيام بمشقة وكلفة شديدة له أن يفطر ويطعم على كل يوم مسكيناً، وأعلمهم أن الصيام في هذه الحال خير. ثم نسخ هذا الحكم الأخير بقوله في الآية الآتية: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وقوله: {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} يريد: تعلمون فوائد الصوم الدنيوية والآخروية، وهي كثيرة أجلها مغفرة الذنوب وذهاب الأمراض.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- فرضية الصيام وهو شهر رمضان.
2- الصيام يربي ملكة التقوى في المؤمن.
3- الصيام يكفر الذنوب لحديث: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" .
4- رخصة الإفطار للمريض [5] والمسافر.
5- المرأة الحامل أو المرضع دل قوله: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} أنه يجوز لهما الإفطار مع القضاء، وكذا الشيخ الكبير فإنه يفطر ولا يقضي، والمريض مرضاً لا يرجى برؤه كذلك. إلا أن عليهما أن يطعما عن كل يوم مسكيناً بإعطائه حفنتي طعام كما أن المرأة الحامل والمرضع [6] إذا خافت على حملها أو طفلها أو على نفسها أن عليها أن تطعم مع كل صوم تصومه قضاء مسكيناً.
6- في الصيام فوائد دينية واجتماعية عظيمة أشير إليها بلفظ: {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}.
من هذه الفوائد:
1- يعود الصائم الخشية من الله تعالى في السر والعلن.
2- كسر حدة الشهوة، ولذا أرشد العازب [7] إلى الصوم.
3- يربي الشفقة والرحمة في النفس.
4- فيه المساواة بين الأغنياء والفقراء والأشراف [8] والأوضاع.
5- تعويد الأمة النظام والوحدة والوئام.
6- يذهب المواد المترسبة في البدن، وبذلك تتحسن [9] صحة الصائم.
{شَهْرُ[10] رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ[11] وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(185)}
شرح الكلمات:
{شَهْرُ رَمَضَانَ} : هو الشهر التاسع من شهور السنة القمرية، ولفظ الشهر مأخوذ من الشهرة، ورمضان مأخوذ من رمض الصائم إذا جر جوفه من العطش[12].
{الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} : هذه آية فضله على غيره من سائر الشهور حيث أنزل فيه القرآن، وذلك في ليلة القدر منه لآية: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} ، أنزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في سماء الدنيا ثم نزل نجماً بعد نجم، وابتدئ نزوله على رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان أيضاً.
{هُدىً لِلنَّاسِ} : هادياً للناس إلى ما فيه كمالهم وسعادتهم في الدارين.
{وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} : البينات: جمع بينة، والهدى: الإرشاد، والمراد أن القرآن نزل هادياً للناس ومبيناً لهم سبيل الهدى موضحاً طريق الفوز والنجاة فارقاً لهم بين الحق والباطل في كل شؤون الحياة.
شهد الشهر[13] : حضر الإعلان[14] عن رؤيته.
{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} : فعليه القضاء بعدد الأيام التي أفطرها مريضاً أو مسافراً.
{وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّة} : وجب القضاء من أجل إكمال عدة الشهر ثلاثين أو تسعة وعشرون يوماً.
{وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} : وذلك عند إتمام صيام رمضان من رؤية الهلال إلى العودة من صلاة العيد والتكبير مشروع وفيه أجر كبير، وصفته المشهورة: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
{وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} : فرض عليكم الصوم وندبكم إلى التكبير لتكونوا بذلك من الشاكرين لله تعالى على نعمه؛ لأن الشكر[15] هو الطاعة.
معنى الآية الكريمة:
لما ذكر تعالى أنه كتب على أمة الإسلام الصيام في الآية السابقة وأنه أيام معدودات بين في هذه الآية أن المراد من الأيام المعدودات أيام شهر رمضان المبارك الذي أنزل فيه القرآن هادياً موضحاً طرق الهداية، وفارقاً به بين الحق والباطل، فقال تعالى: {شَهْرُ[16] رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ} يريد شهر رمضان، ومعنى: شهد، كان حاضراً غير مسافر لما أعلن عن رؤية هلال رمضان، فليصمه على سبيل الوجوب إن كان مكلفاً. ثم ذكر عذر المرض والسفر، وأن على من أفطر بهما قضاء ما أفطر بعدده، وأخبر تعالى أنه يريد بالإذن في الإفطار للمريض والمسافر ليس بالأمة، ولا يريد بها العسر فله الحمد وله المنة، فقال تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} .
ثم علل تعالى للقضاء بقوله ولتكملوا العدة، أي: عدة أيام رمضان، هذا أولاً، وثانياً: لتكبروا الله على ما هداكم عندما تكملون الصيام برؤية هلال شوال وأخيراً ليعدكم بالصيام والذكر للشكر، وقال عز وجل: {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} .
هداية الآيات
من هداية الآية:
1- فضل[17] شهر رمضان وفضل القرآن.
2- وجوب صيام رمضان على المكلفين، والمكلف هو: المسلم العاقل مع سلامة المرأة من دمي الحيض والنفاس.
3- الرخصة للمريض الذي يخاف تأخر برئه أو زيادة مرضه، والمسافر مسافة[18] قصر.
4- وجوب القضاء على من أفطر لعذر[19].
5- يسر الشريعة الإسلامية وخلوها من العسر[20] والحرج.
6- مشروعية التكبير ليلة العيد ويومه، وهذا التكبير جزء لشكر نعمة الهداية إلى الإسلام.
7- الطاعات: هي الشكر، فمن لم يطع الله ورسوله لم يكن شاكراً فيعد مع الشاكرين.
__________
[1] أي بنية امتثال أمر الله تعالى به، أو بنية التقرب إليه عز وجل.
[2] هل الواجب مد أو مدان خلاف، فمن الفقهاء من يرى مدين، ومنهم من يرى مداً واحداً، والمد: الحفنة بحفنة الرجل المعتدل بين القصر والطول.
[3] أي في حالة سفر فلذا لا ينبغي لمن عزم على السفر أن يفطر حتى يغادر بلده المقيم به شأن الصيام كشأن الصلاة فلا يقصر حتى يغادر مباني البلد.
[4] أي فالواجب صيام عدة من أيام أخر.
[5] المريض له حالتان. الأولى: أن يكون مرضه شديداً فهذا يجب عليه أن يفطر. والثانية: أن يكون مرضه غير شديد فيستحب له الفطر.
[6] في الكلام إجمال وهذا تفصيله: الحامل والمرضع إذا خافتا على طفليهما فعليهما القضاء والإطعام، وإن خافتا على نفسيهما فعليهما الصيام دون الإطعام.
[7] لحديث: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه فإنه له وجاء" أي خصاء.
[8] الأشراف: جمع شريف، والأوضاع: جمع وضيع، وهو الدنيء.
[9] لحديث: "صوموا تصحوا وسافروا تغنموا ".
[10] قرئ: {شَهْر} بالنصب فيكون بدلاً من قوله: {أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ} ، وقرئ بالرفع فيكون مبتدأ والخبر، {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ }. وقد يكون المبتدأ محذوفاً تقديره هي: أي الأيام المعدودات.
[11] قوله صلى الله عليه وسلم: " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً" ، أوضح طريق للصوم والإفطار وبه العمل والحمد لله.
[12] والرمضاء: شدة الحر، ويشهد لذلك حديث مسلم: " صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال" ، أي اشتد الحر في الأرض فلم يقوى الفصيل على الوقوف على الأرض بأخفافه فيبرك.
[13] اختلف في قبول شهادة الواحد في هلال رمضان، والذي عليه الأكثر وهو الأحوط للدين أن الواحد إذا كان عدلاً تقبل شهادته، هذا في الصام، أما في الإفطار وهو رؤية هلال شوال فلا بد من شاهدين اثنين.
[14] إذا أسلم الكافر ليلاً وبلغ الصبي وجب عليهما الصيام من الغد، أما إذا أسلم الكافر وبلغ الغلام في نهار رمضان فإنه يستحب لهما الإمساك ولا يجب.
[15] يشهد له قوله تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً} ، والشكر يكون بالقلب واللسان والجوارح وهو العمل، قال الشاعر:
أفادتكم النعماء مني ثلاثة ... يدي ولساني والضمير المحجبا
[16] يجمع رمضان على رمضانات، وأرمضاء ويجوز أن يقال شهر رمضان. ورمضان بدون شهر لحديث: "إذا كان رمضان فاعتمري فإن عمرة فيه تعدل حجة" .
[17] يكفي في بيان فضل رمضان قول النبي صلى الله عليه وسلم : "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين". رواه مسلم، قوله صلى الله عليه وسلم: " من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " في الصحيح.
[18] أوسط ما قيل في مسافة القصر إنها أربعة بُرُد، وهي ثمانية وأربعون ميلاً، والميل: ألفا ذراع عند أهل الأندلس وهو يعادل الكيلو المتر المعروف الآن.
[19] لقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} أي فعليه قضاء أيام أخر بعدد ما أفطر.
[20] لقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} ، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "دين الله يسر" ، وقوله لأصحابه: "يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا" . في الصحيح.
المصدر /
الكتاب : أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير
المؤلف : جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري
..
بعد أن تأملنا و تدبرنا هذه الأيات التي نسمعها كثيرا ً
أجزم بأننا كلما أعدنا قراءة تفسيرها نتعلم شيئا ً جديدا ً
في رمضان .. ليس المهم كم ختمة تختم للقرآن
بل ..!
كم آية من القرآن تدبرتها .. ،
من الآن .. كلما هممت ِ بفتح المصحف .. افتحي أوراق قلبك ِ قبلها
و قبل أن أختم كلماتي .. أهديكم هذه الروابط المفيدة
الأولى / دورة فن تدبر القرآن
للشيخ الدكتور عصام العويد
الجزء الأول
الجزء الثاني
الجزء الثالث
الثانية / دورة تدبر القرآن الكريم
لأستاذ التفسير في جامعة الكويت
عبدالمحسن زبن المطيري
الجزء الأول
الجزء الثاني
،
نفعنا ربي و إياكن بما نقرأ و نسمع
islem- المساهمات : 5
تاريخ التسجيل : 25/08/2009
مواضيع مماثلة
» (القرآن الكريم ، الكتابة مع السماع
» القواعد الكبرى لفهم القرآن في شهر الغفران
» في " رتب رمضانك" خطوات عملية لختم القرآن
» القواعد الكبرى لفهم القرآن في شهر الغفران
» في " رتب رمضانك" خطوات عملية لختم القرآن
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى